قصائد نثر قصيرة
إعلانٌ في الجريدةِ
زادَتْ صادراتُ الوطنِ إلى دولِ الآخرةِ ألفَ قبرٍ في اليومِ ،
أمزِّقُ الجريدةَ فأنا لا أنتمي إلى هذا الصخبِ ،
*
أنا أنتمي إلى بيوتِ القهوةِ تزيّنُ الفساتينَ الخضراءَ ،
أنا أنتمي إلى سقوفِ القِرْمِيدِ تُرسِلُ الدخانَ الأبيضَ ،
أنا أنتمي إلى بندقيّةِ جدّي تُطلِقُ الرصاصةَ البيضاءَ ،
*
جوّفنا اليأسُ
جَّوفَنا اليأسُ ،
تَيْبَسُ أيامُنا كما يتجعّدُ الحبُّ وهو ينتظرُ اعترافاً بارداً ،
*
شجرةُ الموتِ حلَّتْ ضفائرَها في جسدِ العراقِ ،
*
وصِرْتُ أسألُ وأسألُ ،
لكنّهم صلبوا أسئلتي على شفتيَّ وضاعَ الجوابُ ،
*
روايةٌ عراقيّةٌ
رأيْتُ روايةً عراقيّةً تجلِسُ على الرفِّ غريبةً ،
وفوقَها مشايخُنا وعمائمُنا ومذاهبُنا !
ظلّت المسكينةُ تنتحبُ وتستنجدُني ،
مددْتُ يدي لأسحبَها ،
فانتفضت المجلّداتُ تريدُ أن تجلِدَني مئةَ جلدةٍ !
*
عثراتُ الضوءِ
لونُكِ عَثَرَاتُ الضوءِ بياسمينٍ شفيفٍ ،
*
خصرُكِ عثراتُ النسيمِ بخيطٍ زنبقيٍّ مُبتلٍّ ،
*
جلدُكِ الريّانُ جِرارٌ تُغْدِقُ صحراءَ بُعدي عنكِ ،
*
في قصرِ الحمراءِ هوَتْ من جَعبتي قطرةُ رملٍ شرقيّةٌ ،
فصارتْ زيتونةً وكأساً ،
*
تعثُرُ زرقةُ البحرِ بغيمةٍ فتنبجِسُ عينٌ أندلسيّةٌ ،
يعثُرُ ليلٌ عربيٌّ بقُطْنٍ فتنبجسُ عينٌ أندلسيّةٌ ،
*
على ضفافِ دجلةَ
على ضفافِ دجلةَ يستكينُ الألمُ ،
*
على ضفافِ دجلةَ شجرةٌ تتأبطُ ظِلّاً ،
*
نخبِّئُ أجسادَنا في الظِلالِ ،
وتُخَبِّئُ الظلالُ أجسادَها في مرايا الأرضِ ،
*
في الحربِ
في الحربِ تُنسينا جدّتُنا أصواتَ الصواريخِ ،
تقولُ: طبولُ أعيادٍ ،
*
في الحربِ يُمسي الكلامُ دِفْئَنا ،
وينبسطُ عِقالُ أبينا وعباءةُ أمِّنا سقفينِ فوقَ رؤوسِنا ،
*
نكسّرُ خوفَ الليلِ بالشايِ المُنَعْنَعِ وتمتماتِ المذياعِ العتيقِ ،
ثمَّ نغفو في الصباحِ ،
*
في المقهى
في المقهى ،
ملّتْكَ هذهِ النادِلَةُ ،
أوّلُ الآتينَ أنتَ ،
آخِرُ الخارجينَ أنتَ ،
والآنَ ستأتي كعادتِها لتقولَ لكَ: انتهى يومُنا ،
لكنّها تقرّرُ تأخيرَ خطواتِها ،
إذْ تلمَحُكَ أشدَّ كآبةً من المرّاتِ السابقاتِ ،
إذْ تلمَحُكَ تراقبُ الشارعَ الممتدَّ بطولِ الغيابِ ،
من نافذةٍ شِبهِ ضبابيّةٍ بلّلها المطرُ ،
وبعيداً يعلو غيمُ قهوتِكَ المُرَّةِ ،
*
صامتٌ أنتَ وعينُكَ شمعةٌ نازفةٌ أمامَ النافذةِ ،
ويغرَقُ المطرُ في صمتِكَ ،
*
قميصكُ بحريٌّ
للخزانةِ ارتعاشتُها فقميصُكِ بحريٌّ وطيّاتُهُ منعشةٌ ،
*
شفتايَ سِلالٌ ولساني بستانيٌّ ماهرٌ ،
*
كانَ الرِّتاجُ واجهةً لمقهى الجسدِ ،
*
ها أنا ذا غارقٌ في خدوشِكِ الموسيقيّةِ ،
إذْ يتحاورُ الجلدُ معَ الجلدِ ،
*
يتسلّقُ المطرُ جسدي هبوطاً
يتسلّقُ المطرُ جسدي هبوطاً ،
يفرُكُ شَعْري برغوةِ الغيمِ ،
يشنُقُ المطرُ دمعَهُ حيثُ رموشي الحبالُ وجَفْني المقصلةُ ،
*
صناديقُ الذاكرةِ
الشيءُ الذي يضحِكُكَ قد يُبكيني ،
الشيءُ الذي يُبكيكَ قد يُضحكُني ،
هي نقرةُ الأشياءِ على صناديقِ الذاكرةِ ،
*
خجلُ الحقيقةِ
لو كانَ للظلِّ صدىً ،
لو كانَ للصدى ظلٌّ ،
لخَجِلَت الحقيقةُ ،
الحقيقةُ - الضوءُ، الصوتُ ،
*
شاعرٌ
إذا كانَ مطرُ هذا اليومِ هو نفسُهُ مطرَ اليومِ السابقِ ،
فلماذا لا يمَلُّهُ هذا الشخصُ ؟
وكيفَ لا تأكلُهُ الرتابةُ في هذا المشهدِ ؟
*
دُرْجٌ
هذا الدُّرْجُ يُحزنُني ،
فهوَ مختنقٌ بأحذيةِ إِخْوَتي الذين أكلتْهم الحروبُ ،
*
ظلٌّ مُشْتَهَى
وأنا أراقبُ ظلّي وظلَّكِ ،
تعجَّبْتُ كيفَ أنَّ أًصابعي تأكُلُ ما تشتهيهِ ،
*
محاولاتُ انتحارٍ فاشلةٌ
قرّرَ أن يعلِّقَ رأسَهُ في طيَّةِ حبلٍ ،
فجأةً جاءَهُ الطفلَ الذي كانَهُ ،
جاءَهُ يتأرجَحُ ،
فاخضَّرَ الحبلُ ،
*
فكّرَ أن يرميَ جسدَهُ أمامَ سيّارةٍ مسرعةٍ ،
فمرَّ أمامَهُ شيخٌ أعمى وأخذَهُ بعصاهُ الدافئةِ ،
*
وقفَ على شرفتِهِ في الطابقِ التاسعِ ،
مدَّ قدمَهُ اليسرى إلى الفراغِ ،
وظلَّتْ قدمُهُ اليُمنى في تلكَ الشرفةِ ،
ثمَّ دفعَ نفسَهُ لكنَّهُ لم يسقطْ ،
صارَتْ قدمُهُ اليُمنى جذراً في الأرضيّةِ ،
وأقبلَتِ الأُصُصُ الليمونيّةُ تسقيها ،
فاعشوشبَتْ ساقُهُ وعَلاهُ الزنبقُ ،
*
في موجِ دجلةَ الكريمِ ذاكَ الثعبانِ الأزرقِ حاولَ أن يتماوَتَ ،
حيناً تُدغدِغُ قدميةِ عرائسُ الماءِ كفكرةٍ جنسيّةٍ ،
وحيناً ترفَعُ صدرَهُ طيورُ الماءِ ،
كنهودِ عذارى مررْنَ في قارِبِ النسيانِ فانتشلْنَهُ ،
*
ثمَّ غمرَ وجهَهُ في مَغْطِسِ شَقَّتِهِ الكئيبِ ،
فزُخرَتْ حوافُّهُ وأمسى حَمّاماً تركيّاً ،
*
العودةُ
أعمدةُ الضوءِ مركزَّةٌ على الحافلةِ المثقلةِ بالعائدينَ من الجبهاتِ ،
والمُحْدَودِبَةِ ظهورُهم بحقائبِ المشاهدِ ،
*
سينزِلُ الجنديُّ الأوّلُ ليرى زِفافَ زوجتهِ ،
سينزِلُ الجنديُّ الثاني ليرى باحةَ دارتِهِ تمرحُ فيها الغِرْبانُ ،
سينزِلُ الجنديُّ الثالثُ وسيمشي وسيمشي لكنّه لن يصلَ ،
*
قطٌّ نباتيٌّ
القطُّ الذي جوعتُموهُ حدَّ الهلاكِ ،
القطُّ الذي صيَّرتُموهُ نباتيَّاً ،
القطُّ الذي تمنّونَ عليهِ بقليلٍ من الحياةِ ،
وتجودونَ عليهِ بكثيرٍ من الموتِ ،
هيَ ذي مخالبُهُ وغداً تخدِّشُ أبوابَ قصورِكم ،
*
طفلٌ آخرُ على الساحلِ
مرحباً يا صديقي ،
أنا غيَّرَني الألمُ وأنتَ كذلكَ ،
ونحسُ الوطنِ وساستُهُ عاهرةٌ لا تتغيّرُ ،
*
لأنساكَ يا طفلاً آخرَ على الساحلِ ،
يلزمُني أن أنمّقَ صدريَ بالنباتِ المتسلّقِ ،
علّهُ يحجُبُ ذلكَ البركانَ النابضَ ،
*
لأنساكَ يا من رفضْتَ أن تكونَ نبيّاً ،
يلزمُني ماءُ البحرِ أجمَعُهُ لغسلِ ذاكرتي ،
*
65 كيلومِترا
يا لَلخيبةِ ،
لافتةُ الطريقِ هذهِ تقولُ إنّ 65 كيلومتراً فقط هيَ التي تفصِلُني عن مدينتي ،
وسياسيٌّ في المذياعِ يقولُ إنّ تحريرَها سيكونُ بعدَ عقدٍ من الزمنِ ،
*
عبد الله سرمد الجميل
التعليقات